فصل: تفسير الآية رقم (38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (32):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ} [32].
{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} أي: المزن: {مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} أي: تعيشون به: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ} أي: السفن: {لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} أي: بإرادته: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ} أي: فتجري حيث تشاؤون من شرب وسقي وسواهما.

.تفسير الآية رقم (33):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [33].
{وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائبَينَ} أي: يدأبان في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي: يتعاقبان خلفه، لمعاشكم وسباتكم.

.تفسير الآية رقم (34):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [34].
{وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} أي: ما تحتاجون إليه مما تصلح أحوالكم ومعايشكم به، فكأنكم سألتموه أو طلبتموه بلسان الحال.
وقال القاشاني: {مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} بألسنة استعداداتكم، فإن كل شيء يسأله بلسان استعداده، كما لا يفيض عليه مع السؤال بلا تخلف وتراخ: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} لعدم تناهيها: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ} أي: بوضع نور الاستعداد ومادة البقاء في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها. أو بنقص حق الله أو حق نفسه بإبطال الاستعداد {كَفَّارٌ} أي: بتلك النعم التي لا تحصى، باستعمالها في غير ما ينبغي أن تستعمل، وغفلته عن المنعم عليه به، واحتجابه بها عنه. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (35):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [35].
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} أي: اذكر وقت قوله صلوات الله عليه.
قال أبو السعود: والمقصود من تذكيره، تذكير ما وقع فيه من مقالاته عليه السلام على نهج التفصيل. والمراد به: تأكيد ما سلف من تعجبه عليه السلام ببيان فنٍ آخر من جناياتهم، حيث كفروا بالنعم الخاصة بهم، بعد ما كفروا بالنعم العامة. وعصوا أباهم إبراهيم عليه السلام حيث أسكنهم بمكة شرَّفها الله تعالى لإقامة الصلاة والاجتناب عن عبادة الأصنام والشكر لنعم الله تعالى. وسأله تعالى أن يجعله بلداً آمناً ويرزقهم من الثمرات، وتهوي قلوب الناس إليهم من كل أوب سحيق. فاستجاب الله دعاءه، وجعله حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء. فكفروا بتلك النعم العظام، واستبدلوا بالبلد الحرام دار البوار. وجعلوا لله أنداداً وفعلوا ما فعلوا.
{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ} يعني البلد الحرام، مكة المكرمة: {آمِناً} أي: ذا أمن. أو آمناً أهله {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} أي: بعدني وإياهم: {أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}.

.تفسير الآية رقم (36):

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [36].
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ} أي: كن سبباً في إضلالهم. كما يقال فتنتهم الدنيا وغرتهم، إشارة إلى أنه افتتن بالأصنام خلائق لا تحصى. والجملة تعليل لدعائه. وإنما صدره بالنداء إظهاراً لاعتنائه به، ورغبته في استجابته: {فَمَن تَبِعَنِي} أي: على ملتي وكان حنيفاً مسلماً مثلي: {فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي} أي: فخالف ملتي: {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: فإنك ذو الأسماء الحسنى، والمجد الأسمى، الغني عن الناس أجمعين. وتخصيص الاسمين إشارة إلى سبق الرحمة.

.تفسير الآية رقم (37):

القول في تأويل قوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [37].
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي} أي: بعض أولادي. وهم إسماعيل ومن ولد منه: {بِوَادٍ} هو وادي مكة: {غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} أي: لا يكون فيه زرع: {عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} أي: الذي حرمت التعرض له والتهاون به: {رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} أي: لكي يأتوا بعبادتك مقوَّمة في ذلك الموضع. وهو متعلق بـ: {أَسْكَنتُ} أي: ما أسكنتهم هذا الوادي إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ويعمروه بذكرك وعبادتك وحدك. وتكرير النداء وتوسيطه؛ لإظهار كمال العناية بإقامة الصلاة.
{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أي: تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقاً، فيأنسوا ويتعارفوا فيتآلفوا ويعودوا على بعضهم بالمنافع: {وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ} أي: فتجلبها إليهم التجار: {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} أي: نعمة إقامتهم عند بيتك المحرم بالصلاة فيها، على كمال الإخلاص والتوحيد، مع فراغ القلب.

.تفسير الآية رقم (38):

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} [38].
{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} لأن الكل خلقه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: من الآية 14].
قال الزمخشري: المعنى: إنك أعلم بأحوالنا وما يصلحنا وما يفسدنا منا. وأنت أرحم بنا منا بأنفسنا ولها، فلا حاجة إلى الدعاء والطلب. وإنما ندعوك إظهاراً للعبودية لك، وتخشعاً لعظمتك، وتذللاً لعزتك، وافتقاراً إلى ما عندك، واستعجالاً لنيل أياديك، وولهاً إلى رحمتك. وكما يتملق العبد بين يدي سيده رغبة في إصابة معروفه، مع توفر السيد على حسن الملكة.
وعن بعضهم: أنه رفع حاجته إلى كريم فأبطأ عليه النجح، فأراد أن يذكره فقال: مثلك لا يذكر استقصاراً ولا توهماً للغفلة عن حوائج السائلين، ولكن ذا الحاجة لا تدعه حاجته أن لا يتكلم فيها. انتهى.
وجوَّز في قوله تعالى: {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ} الخ، أن يكون من كلامه تعالى، تصديقاً لإبراهيم، أو من كلامه عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (39):

القول في تأويل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [39].
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ} أي: ليقوما مقامي في الدعوة إليه تعالى وبث الحنيفية وإقامة الصلاة بعد ذهابي: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} أي: مجيبه.
قال الزمخشري: وإنما ذكر حال الكبر، لأن المنَّة بهبة الولد فيها أعظم، من حيث إنها حال وقوع اليأس من الولادة، والظفر بالحاجة على عقب اليأس، من أجل النعم وأحلاها في نفس الظافر.

.تفسير الآية رقم (40):

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [40].
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} أي: عبادتي، كذا في التنوير.

.تفسير الآية رقم (41):

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [41].
{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} أي: مجازاة العباد على أعمالهم. قرئ {ولوالدِي} بالإفراد، وكأن هذا قبل تبين أمره له عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (42):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [42].
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} يعني مشركي أهل مكة. أي: لا تحسبه، إذا أنظَّرهم وأجَّلهم، أنه غافل عنهم، مهمل لهم، لا يعاقبهم على عملهم، بل هو يحصيه عليهم ويعدُّه عليهم عداً. وفيه تسلية للرسول صلوات الله عليه، ووعد له أكيد، ووعيد للكفرة وسائر الظالمين شديد.
{إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ} أي: بإمهالهم متمتعين بشهواتهم، ولا يعجل عقوبتهم: {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} أي: ترتفع فيه أبصار أهل الموقف، لهول ما يرون. فلا تقر أعينهم في أماكنها ولا تطرف.

.تفسير الآية رقم (43):

القول في تأويل قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [43].
{مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين إلى الداعي الذي يدعوهم إلى المحشر. وهذا بيان لكيفية قيامهم من قبورهم، وعجلتهم إلى المحشر، كقوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاع} [القمر: من الآية 8]، وقوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً} [المعارج: من الآية 43].
{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} أي: رافعيها إلى السماء: {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي: لا يطرفون، ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} أي: لا قوة فيها ولا ثبات؛ لشدة الفزع.
قال الزمخشري: الهواء: الخلاء الذي لم تشغله الأجرام، فوصف به. فقيل: قلب فلان هواء، إذا كان جباناً لا قوة في قلبه ولا جراءة. ويقال للأحمق أيضاً: قلبه هواء. والمعنى: أن القلوب يومئذ زائلة عن أماكنها. والأبصار شاخصة، والرؤوس مرفوعة إلى السماء من هول ذلك اليوم وشدته وخوف ما يقع فيه.

.تفسير الآية رقم (44):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ} [44].
قوله: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} يعني يوم القيامة: {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا} أي: رُدَّنا إلى الدنيا وأمهلنا: {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: أمد من الزمان قريب: {نُّجِبْ دَعْوَتَكَ} أي: إلى الإقرار بتوحيدك وأسمائك الحسنى: {وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} أي: إلى ما دعونا إليه من الشرائع.
{أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم} على إضمار القول. أي: فيقال لهم توبيخاً وتبكيتاً ألم تكونوا تحلفون: {مِّن قَبْلُ} يعني في الدنيا: {مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ} أي: من دار الدنيا إلى دار أخرى للجزاء. كقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: من الآية 38].

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} [45].
{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} كعاد وثمود: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} أي: بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم، وما تواتر عندكم من أخبارهم: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} أي: صفات ما فعلوا وما فعل بهم. أي: ومع ذلك فلم يكن لكم فيهم معتبر ولا مزدجر.

.تفسير الآية رقم (46):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [46].
{وَقَدْ مَكَرُواْ} أي: بالنبي صلوات الله عليه: {مَكْرَهُمْ} أي: العظيم، أي: الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل: {وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ} أي: جزاء مكرهم: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ} أي: في العظم والشدة: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} أي: مُسَوَّى ومُعَداً لإزالة الجبال عن مقارِّها، لتناهي شدته.
وجوَّز في {إن} كونها نافية واللام مؤكدة له. والمعنى: ومحال أن تزول الجبال بمكرهم، على أن الجبال مَثَلٌ- أي: استعارة تمثيلية- لآيات الله وشرائعه؛ لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتاً وتمكناً. وينصره قراءة ابن مسعود: {وَمَا كانَ مَكرُهُم} وقرئ {لَتَزُولُ} بلام الابتداء أي: هو من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع من أماكنها.

.تفسير الآية رقم (47):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [47].
{فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} أي: من نصرهم المبين في قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} [غافر: من الآية 51]، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: من الآية 21]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: من الآية 55] الآية.
واستظهر أبو السعود: أن المعنى بالوعد هنا عذابهم الأخروي المتقدم في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ} إلخ [إبراهيم: من الآية 42]، ولا يخفى أن الوعد قد بين في مثل الآية الأخيرة والأوليين في معناها. والبيان يرفع اللبس. وإنما أوثر تقديم المفعول الثاني، أعني {وعده} على الأول وهو {رسله} للإيذان بالعناية به. فإن الآية في سياق الإنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله به على ألسنة الرسل. فالمهم في التهديد ذكر الوعيد. كذا في الانتصاف.
وفي الكشف تقديمه للاعتناء به وكونه المقصود بالإفادة. وما ذكره ممن وقع الوعد على لسانه، إنما ذكر بطريق التبع للإيضاح، والتفصيل بعد الإجمال. وهو من أسلوب الترقي كما في قوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: من الآية 25]. و{إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ} أي: غالب لا يُماكَرُ: {ذُو انْتِقَامٍ} من أعدائه، نصراً لأوليائه.